حصاد الضباب في جنوب المغرب: قصة إبداع لمواجهة ندرة المياه وتحديات الجفاف في منطقة سيدي إفني

 

Cloud Fishing in Morocco: A Journey to Harvest Water from the Skies

 ندرة المياه في منطقة سيدي إفني وأهمية الحلول المبتكرة


في منطقة سيدي إفني الواقعة في قلب الجنوب المغربي، حيث تتلاقى تأثيرات الصحراء مع سفوح جبال الأطلس الصغير المطلة على المحيط الأطلسي، يواجه السكان تحديًا وجوديًا يتمثل في ندرة المياه والجفاف المتفاقم بفعل التغير المناخي. لطالما كانت هذه المنطقة، بتاريخها العريق وثقافتها الغنية، تكافح قساوة الطبيعة وشح الموارد المائية. الاعتماد التقليدي على الآبار المحلية المحدودة والأودية الموسمية غالبًا ما يكون غير كافٍ لتلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان والأنشطة الزراعية، مما يزيد من صعوبة الحياة في هذه الظروف. وسط هذه التحديات، يبرز مشروع "حصاد الضباب" كحل مبتكر ومستدام، يحمل في طياته أملاً جديدًا لسكان هذه الأرض العطشى. يرتكز هذا المشروع الرائد في قمة جبل بوتمزكويدا، أحد الجبال القريبة من سيدي إفني والواقع ضمن سلسلة الأطلس الصغير على ارتفاع 1225 مترًا. هنا، حيث تتجمع الغيوم المنخفضة بكثافة، بدأت رحلة مؤسسة دار سي حماد غير الربحية في استخراج الماء من الضباب، محولة الضباب الكثيف الذي يغطي الجبال إلى مصدر حيوي لتزويد سكان منطقة سيدي إفني القريبة بمياه صالحة للشرب.

1. مبدأ عمل تقنية حصاد الضباب

تعتمد تقنية حصاد الضباب على فهم بسيط لظاهرة طبيعية تحدث بشكل متكرر في المناطق الجبلية القريبة من السواحل. عندما يصعد الهواء الرطب من المحيط ويبرد عند اصطدامه بقمم الجبال، يتكثف بخار الماء ليتحول إلى قطرات صغيرة تشكل الضباب. هذا الضباب، الذي غالبًا ما يحجب الرؤية ويُعتبر عائقًا، يتحول في مشروعنا إلى كنز ثمين. يتم اعتراض هذا الضباب بستخدام شبكات عملاقة مصممة خصيصًا لهذا الغرض. هذه الشبكات، والتي تشبه في تصميمها شباك الصيد الكبيرة، مصنوعة من مواد متينة وغير سامة، مثل البولي إيثيلين أو النايلون، ومثبتة على هياكل قوية تتحمل الظروف الجوية المختلفة. عندما يمر الضباب عبر هذه الشبكات، تعلق قطرات الماء الصغيرة بخيوطها الدقيقة. ومع استمرار تراكم القطرات، تبدأ في التجمع والاندماج لتكوين قطرات أكبر حجمًا، تصبح ثقيلة بما يكفي لتنزلق بفعل الجاذبية إلى أسفل الشبكة. يتم توجيه هذه المياه المتجمعة عبر نظام من الأنابيب إلى خزانات كبيرة وآمنة للتخزين. ما يميز هذه التقنية هو بساطتها وقدرتها على العمل دون الحاجة إلى مصادر طاقة كبيرة. فالطبيعة نفسها هي التي تدفع الضباب نحو الشبكات، والجاذبية هي التي تتولى عملية جمع المياه، مما يجعلها حلاً صديقًا للبيئة واقتصاديًا على المدى الطويل.

2. تجربة جنوب المغرب: سياق المشروع والتحديات الأولية

لم يكن اختيار منطقة سيدي إفني لتطبيق تقنية حصاد الضباب عشوائيًا. تتميز هذه المنطقة بظروف مناخية وتضاريس فريدة تجعلها مثالية لهذا النوع من المشاريع. فبالإضافة إلى قربها من المحيط الأطلسي الذي يوفر مصدرًا مستمرًا للرطوبة، تتميز المنطقة بوجود سلاسل جبلية شاهقة تعترض طريق الرياح الرطبة، مما يؤدي إلى تكوين ضباب كثيف ومتكرر، خاصة في فصل الشتاء والربيع. بدأت فكرة المشروع في عام 2015 على يد مؤسسة دار سي حماد، وهي منظمة غير ربحية مقرها في سيدي إفني وأكادير، بدعم من مبادرات مختلفة. واجه الفريق القائم على المشروع العديد من التحديات الأولية. كان اختيار المواقع المناسبة أمرًا بالغ الأهمية لضمان الحصول على أكبر قدر ممكن من المياه، حيث تطلب ذلك دراسة دقيقة لاتجاه الرياح وأنماط الضباب. كما كان لابد من التأكد من مقاومة الشبكات للرياح القوية التي تهب على قمم الجبال، مما استدعى اختيار مواد وتصاميم قوية ومتينة. بالإضافة إلى ذلك، كان إقناع السكان المحليين بأهمية المشروع وكيفية استخدامه بشكل صحيح يمثل تحديًا آخر، تطلب بناء الثقة وتنظيم ورش عمل توعوية.

3. الأثر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي للمشروع

لقد أحدث مشروع حصاد الضباب في منطقة سيدي إفني أثرًا تحويليًا على حياة السكان المحليين. على الصعيد الاجتماعي، ساهم المشروع بشكل كبير في تحسين حياة السكان من خلال توفير مصدر موثوق ونظيف لمياه الشرب. قبل المشروع، كان الاعتماد الأساسي على الآبار المحلية التي غالبًا ما تكون شحيحة أو ملوثة، مما كان يضطر السكان إلى بذل جهد كبير للحصول على كميات قليلة من الماء. الآن، أصبح بإمكانهم الحصول على المياه بسهولة ويسر، مما أدى إلى تقليل عبء جلب المياه وتوفير الوقت والجهد لأنشطة أخرى أكثر إنتاجية. كما ساهم توفر المياه النظيفة في تحسين الصحة العامة وتقليل انتشار الأمراض المنقولة عن طريق المياه (Fog harvesting method to supply water in Morocco - Karianet). أما على الصعيد الاقتصادي، فقد فتح المشروع آفاقًا جديدة للسكان. فبعد توفر المياه بشكل منتظم، أصبح بإمكانهم ممارسة الزراعة الصغيرة وتربية الماشية بشكل أكثر فعالية، مما ساهم في دعم الأنشطة المدرة للدخل وتحسين مستوى معيشتهم (Cloud Fishing in Morocco: A Journey to Harvest Water from the Skies). بالإضافة إلى ذلك، خلق المشروع فرص عمل للسكان المحليين في تركيب وصيانة الشبكات والخزانات. أما من الناحية البيئية، فيعتبر مشروع حصاد الضباب نموذجًا للتنمية المستدامة. فهو يعتمد على مصدر طبيعي ومتجدد للمياه ولا يستنزف الموارد المائية الجوفية المحدودة، مما يساهم في الحفاظ على البيئة وتقليل خطر التصحر. كما أنه لا ينتج أي انبعاثات ضارة، مما يجعله حلاً صديقًا للبيئة على عكس بعض التقنيات الأخرى لتحلية المياه أو نقلها لمسافات طويلة.

4. التحديات المستمرة وسبل الاستدامة والتطوير

على الرغم من النجاح الكبير الذي حققه مشروع حصاد الضباب، إلا أنه لا يزال يواجه بعض التحديات المستمرة. من بين هذه التحديات الحاجة إلى صيانة دورية للشبكات والخزانات لضمان استمرار عملها بكفاءة. كما أن تأثير التغيرات المناخية على كمية الضباب يمثل مصدر قلق محتمل، حيث أن أي انخفاض في معدلات الضباب قد يؤثر على كمية المياه التي يتم جمعها. لضمان استدامة المشروع على المدى الطويل، تبذل مؤسسة دار سي حماد جهودًا كبيرة في تدريب السكان المحليين على صيانة الشبكات والخزانات وتمكينهم من إدارة المشروع بأنفسهم. كما يتم البحث عن مصادر تمويل مستدامة لضمان استمرار عمل المشروع وتوسيع نطاقه. هناك أيضًا جهود مستمرة لتطوير التقنية وتحسين كفاءتها، مثل استخدام مواد جديدة وأكثر فعالية في اعتراض الضباب وتصميم شبكات أكثر مقاومة للظروف الجوية القاسية. بالإضافة إلى ذلك، يجري دراسة إمكانية توسيع نطاق هذه التقنية لتشمل مناطق أخرى من المغرب تواجه نفس التحديات، وحتى في دول أخرى ذات ظروف مناخية مماثلة.

5. قصص نجاح أو شهادات من المستفيدين

تتجلى قيمة مشروع حصاد الضباب بشكل حقيقي في قصص نجاح المستفيدين منه. في منطقة سيدي إفني، شهدت قرى مثل تلك الواقعة بالقرب من جبل بوتمزكويدا تحسنًا ملحوظًا في حياة سكانها بفضل هذا المشروع (These Moroccans are turning foggy days into a solution to their water crisis). تحدثت العديد من النساء عن توفير الوقت والجهد الذي كان يُبذل في البحث عن مصادر مياه بعيدة وغير مضمونة. كما أشار المزارعون إلى زيادة إنتاجهم الزراعي بفضل توفر المياه بشكل أكثر انتظامًا. هذه الشهادات الحية تعكس الأثر الإيجابي والملموس الذي أحدثه مشروع حصاد الضباب في حياة هؤلاء السكان، محولًا الضباب من مجرد ظاهرة طبيعية إلى مصدر للرخاء والاستقرار.

يمثل مشروع حصاد الضباب في منطقة سيدي إفني قصة نجاح ملهمة تجسد قوة الإبداع في مواجهة التحديات. من خلال تحويل الضباب الكثيف إلى مصدر للمياه النظيفة، لم يساهم هذا المشروع في تحسين حياة السكان المحليين فحسب، بل قدم أيضًا نموذجًا رائدًا لحلول مبتكرة ومستدامة لمشكلة ندرة المياه التي تواجه العديد من المناطق حول العالم. إن نجاح هذا المشروع يؤكد على أهمية تبني تقنيات صديقة للبيئة تعتمد على الموارد الطبيعية المتاحة بشكل مستدام. ومع استمرار تفاقم أزمة المياه العالمية بسبب التغيرات المناخية والزيادة السكانية، يصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى البحث عن وتبني مثل هذه الحلول المبتكرة التي يمكن أن تحدث فرقًا حقيقيًا في حياة الناس وتحافظ على كوكبنا للأجيال القادمة. إن مشروع "حصاد الضباب" في المغرب ليس مجرد مشروع لتوفير المياه، بل هو رسالة أمل وتفاؤل تؤكد على أن الإرادة والابتكار يمكن أن يتغلبا على أصعب التحديات.

المصادر المستخدمة:

The Reach Alliance: Water in the Desert: Dar Si Hmad's Fog-Harvesting Program
Fog harvesting method to supply water in Morocco - Karianet
Cloud Fishing in Morocco: A Journey to Harvest Water from the Skies
These Moroccans are turning foggy days into a solution to their water crisis







تعليقات